المسيح الدجال

معنى الدجال :

الدَّجل : هو الخلط والتلبيس ، يقال دَجَلَ إذا لبّس ومَوَّهَ ، والدجال : المُمَوِّه الكذاب ، الذي يُكثِر من الكذب والتلبيس .

ولفظة " الدجال " أصبحت عَلَمَاً على المسيح الأعور الكذاب ، وسمي الدجال دجالاً : لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم .

*صفة الدجال والأحاديث الواردة في ذلك :

الدجال رجل من بني آدم ، له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث لتعريف الناس به ، وتحذيرهم من شره ، حتى إذا خرج عرفه المؤمنون فلا يفتنون به ، بل يكونون على علم بصفاته التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم وهذه الصفات تميزه عن غيره من الناس ، فلا يغتر به إلا الجاهل الذي سبقت عليه الشقوة . نسأل الله العافية .

ومن هذه الصفات :

أنه رجل شاب أحمر ، قصير ، أفحج جعد الرأس ، أجلى الجبهة ، عريض النحر ، ممسوح العين اليمنى ، وهذه العين ليست بناتئة - منتفخة وبارزة - ولا جحراء - غائرة - كأنها عنبة طافئة .

وعينه اليسرى عليها ظفرة - لحمة تنبت عند المآقي - غليظة . ومكتوب بين عينيه " ك ف ر " بالحروف المقطعة ، أو " كافر " بدون تقطيع ، يقرؤها كل مسلم ، كاتب وغير كاتب .
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال : " إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ .. " رواه البخاري.
سمي الدجال مسيحا؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة، وقيل لأنه يمسح الأرض أربعين يوما.

1- معنى الدجال:
وسمي الدجال دجالا: لأنه يغطي الحق بالباطل، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم.
وقد ورد ذلك في الحديث الشريف فعن عمران بن حصين قال : سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول { ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال }
سمي الدجال مسيحا؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة، وقيل لأنه يمسح الأرض أربعين يوما.

2- صفة الدجال:
الدجال رجل من بني آدم له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث لتعريف الناس به، وتحذيرهم من شره. وردت صفة الدجال في الأحاديث

أتباع الدجال:

أكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس غالبهم الأعراب والنساء.

روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة". وأما كون أكثر أتباعه من الأعراب فلأن الجهل غالب عليهم، ولما جاء في حديث أبي أمام الطويل قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن من فتنته- أي الدجال- أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول: نعم فيتمثل له الشيطان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك " أخرجه ابن ماجه.

وأما النساء فحالهن أشد من حال الأعراب لسرعة تأثرهن وغلبة الجهل عليهن، ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ينزل الدجال في هذه السبخة بمرقناة فيكون أكثر من يخرج إليه من النساء، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمة وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه " رواه الإمام أحمد.

- فتنة الدجال:

فتنة الدجال أعظم الفتن منذ خلق الله ادم إلى قيام الساعة، وذلك بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول وتحير الألباب. فقد ورد أن معه جنة ونارا، وجنته نار وناره جنة، وأن معه أنهار الماء وجبال الخبز، ويأمر السماء أن تمطر فتمطر. والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض، ويقطع الأرض بسرعة عظيمة كسرعة الغيث استدبرته الريح، إلى غير ذلك من الخوارق، وكل ذلك جاءت به الأحاديث الصحيحة.

وسبب افتتان الناس بالدجال أمور:

1-ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، واستجابة الجماد لأمره.

فقد ثبت في الحديث الصحيح: أنه قبل خروج الدجال بثلاث سنوات يصيب الناس فيها جوع شديد، حيث يأمر الأرض فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، ثم يأتي المسيح الدجال على هذه الحال فتكون من فتنته أنه يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويأمر خرائب الأرض أن تخرج كنوزها المدفونة فتستجيب له ".
فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة.. وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ".. فيأتي على القوم- أي الدجال- فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل... " رواه مسلم.

2- يجيء الدجال معه مثل الجنة والنار يتبعه نهران:

فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا، فأما الذي يرى الناس أنه نار فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء فنار تحرق، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنه نار، فإنه ماء عذب بارد" رواه البخاري. وعن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال: ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر ممن سألته وإنه قال لي: "ما يضرك منه؟ قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء، قال: هو أهون على الله من ذلك " رواه البخاري ومسلم.

3- سرعة انتقاله في الأرض والبلاد التي لا يستطيع دخولها:

ففي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه- الطويل- قال: "... قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح... " رواه مسلم. وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة لا يأتيها من نقب من أنقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته حتى ينزل عند الضريب الأحمر عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه؟ فتنفي الخبيث منها كما ينفي الكير خبث الحديد " أخرجه ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة.

4- استجابة الشيطان لأوامره:

فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "... وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك " حديث صحيح رواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك.

5- قتله للشاب المؤمن ثم إحياؤه:

في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا به أنه قال: "يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي بالمدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه. فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته. هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه. فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم. فيقول الدجال: اقتله ولا يسلط عليه ".
ولمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح، مسالح الدجال فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء. فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه. فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس، هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فيأمر الدجال فيشبح فيقول: خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربا. قال: فيقول: أو ما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فيؤشر بالمنشار من مفرقه حيث يفرق بين رجليه. قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما. قال: ثم يقول: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. قال: ثم يقول: يا أيها الناس، إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس. قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا. قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ".

الوقاية من فتنة الدجال بأمور:

1- التمسك بالإسلام والتسلح بسلاح الإيمان ومعرفة أسماء الله وصفاته الحسنى التي لا يشاركه فيها أحد، فيعلم أن الدجال بشر يأكل ويشرب، وأن الله تعالى منزه عن ذلك، وأن الدجال أعور والله ليس بأعور، وأنه لا أحد يرى ربه حتى يموت، والدجال يراه الناس عند خروجه مؤمنهم وكافرهم.

2- التعوذ من فتنة الدجال وخاصة في الصلاة، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، فمنها ما رواه الشيخان والنسائي عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ". وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال ".

3- حفظ آيات من سورة الكهف، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة فواتح سورة الكهف على الدجال. وفي بعض الروايات خواتيمها، وذلك بقراءة عشر آيات من أولها أو آخرها، ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان الطويل وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : " من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ". وروى مسلم أيضا عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال " أي من فتنته. قال مسلم: قال شعبة: من آخر الكهف. وقال همام: من أول الكهف.


4- الفرار من الدجال والابتعاد منه والأفضل سكنى مكة والمدينة، فقد سبق أن الدجال لا يدخل مكة والمدينة، فينبغي للمسلم إذا خرج الدجال أن يبتعد منه، وذلك لما معه من الشبهات والخوارق العظيمة التي يجريها الله على يديه فتنة للناس، فإنه يأتيه الرجل وهو يظن في نفسه الإيمان والثبات فيتبع الدجال. نسأل الله أن يعيذنا من فتنته وجميع المسلمين.

سبل النجاة من فتنة الدجال


تكون العصمة من فتنته باتباع الطرق التالية التى عَلَّمنَا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم :

1 – التسليح بالإيمان ، والتمسك بالإسلام ، والتزود بالتقوى ، والإكثار من ذكر الله ؛ تهليلًا وتسبيحًا وتكبيرًا وتحميدًا واستغفارًا ، فإنه قوت المسلم فى تلك الشدة ، وحماية له منه .
҉ وعن حذيفة رضى الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الدجال فقال : { لفتنة من بعضكم أخوف عندى من فتنة الدجال ، ليس من فتنة صغيرة ولا كبيرة إلا تضع – وفى رواية : إلا تصنع – لفتنة الدجال ، فمن نجا من فتنة ما قبلها فقد نجا منها ، والله لا يضر مسلمًا ، مكتوب بين عينيه كافر } [ أخرجه البزار فى البحر الزخار والهيثمى فى كشف الأستار ، وصححه الوداعى فى الصحيح المسند ، والهيثمى فى الزوائد ، والألبانى فى السلسلة الصحيحة ] .
وعند أحمد فى مسنده بلفظ : { لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندى من فتنة الدجال ، ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها ، وما صُنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال } .

2 – التعوذ من فتنته دائمًا ، وبخاصة الدعاء الذى كان يقوله النبى صلى الله عليه وسلم آخر كل صلاة ، وأمر أمته بالدعاء به والمحافظة عليه ، ومن استعاذ بالله أعاذه .
҉ فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا تشهد أحدكم ، فليستعذ بالله من أربع ؛ يقول : اللهم إنى أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال } [ أخرجه مسلم فى صحيحه ] .

3 – السكنى بإحدى المدن التى يمنع من دخولها – كما سبق – إن استطاع ذلك .

4 – الابتعاد عنه والفرار من أمامه . فمن سمع بظهوره ، ولم يستطع أن يلجأ إلى إحدى تلك المدن ، فليفر من أمامه ولينأ عنه ، مع لزوم الذكر والدعاء ، فإنه لا يضره بإذن الله .
҉ عن عمران بن حصين رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن ، فيتبعه مما – أو لما – يبعث به من شبهات } [ أخرجه أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه والحاكم فى المستدرك وصححه ] .
҉ عن أم شريك رضى الله عنها فى ( حديثها السابق ) : { ليفرن الناس من الدجال } قلت : يا رسول الله ، فأين العرب يومئذ ؟ قال : { هم قليل } [ أخرجه مسلم فى صحيحه وغيره ] .

5 – من لم يستطع الفرار منه ، وأصبح أسيرًا لديه أو ابتلى بلقائه ، فليستعن بالله ، وليقرأ ..
أ – سورة الفاتحة : ҉ فعن نفير بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال : { فمن لقيه منكم ، فليقرأ عليه بفاتحة الكتاب } [ أخرجه الطبرانى فى معجمه الكبير ، وصححه الهيثمى ] .
ب – آيات من سورة الكهف : واختلفت الأحاديث والروايات فى تحديدها على الوجوه التالية :

الوجه الأول : ذكر سورة الكهف على سبيل القراءة دون الحفظ ، ودون تحديد لآيات بعينها .
҉ فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ، ثم خرج إلى الدجال لم يسلط عليه ، ولم يكن له عليه سبيلًا . [ أخرجه نعيم بن حماد فى الفتن موقوفًا ، وأخرجه الحاكم فى المستدرك موقوفًا أيضًا عازيًا إياه له وصححه ] .

الوجه الثانى : حدد عدد من الآيات منها ، دون تحديد موضعها من السورة .
҉ فعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قرأ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال } [ أخرجه ابن حبان فى صحيحه والنسائى فى السنن الكبرى ] .

الوجه الثالث : حدد الآيات العشر من بداية السورة ، مع طلب الحفظ دون القراءة فقط .
҉ فعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال } [ أخرجه مسلم فى صحيحه وأحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه والنسائى فى السنن الكبرى والبيهقى فى شعب الإيمان والحاكم فى المستدرك وصححه ] .

الوجه الرابع : حدد موقع القراءة فى فواتيح السورة ، ولكن لم يحدد عدد الآيات .
҉ فعن النواس بن سمعان رضى الله عنه فى ( حديثه السابق ) : { ... فمن أدركه منكم ، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف } [ أخرجه مسلم فى صحيحه وأحمد فى مسنده وغيرهما ] .
وعند أبى داود فى سننه بلفظ : { فإنها جواركم من فتنته } .
وعند نعيم بن حماد فى الفتن من حديث أبى أمامة رضى الله عنه بلفظ : { فمن لقيه منكم فليتفل فى وجهه وليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف } .

الوجه الخامس : حدد الآيات العشر من نهاية السورة ، على سبيل القراءة دون طلب الحفظ .
҉ فعن أبى الدرداء رضى الله عنه فى ( حديثه السابق ) كما فى رواية أخرى لمسلم فى صحيحه وللنسائى بلفظ : { من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال } .
وأقرَّ الإمام مسلم فى صحيحه وأثبت رواية العشر آيات من أول سورة الكهف ومن آخرها .
وفى رواية لأحمد فى مسنده بلفظ : { من قرأ عشر آيات من آخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال } .

الوجه السادس : حدد موقع القراءة فى خواتيم السورة ، ولكن لم يحدد عد الآيات .
҉ فعن أبى الدرداء رضى الله عنه فى ( حديثه السابق ) كما فى رواية أخرى لأبى داود فى سننه ومسلم فى صحيحه أيضًا بلفظ : { من قرأ خواتيم سورة الكهف عصم من فتنة الدجال } .

الوجه السابع : حدد الآيات الثلاث فى بداية السورة ، على سبيل القراءة دون طلب الحفظ .
҉ فعن أبى الدرداء رضى الله عنه فى ( حديثه السابق ) كما فى رواية أخرى عند الترمذى فى الجامع وقال : " حسن صحيح " بلفظ : { من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال } .


وهذه الروايات على وجوهها السبعة لا تعوزها الصحة فكلها صحيحة ، وصحتها هذه قد تشكل على الكثير بالتعارض – كما سبق – لكن قديمًا قالوا : أعطى القوس باريها ، لذا فإن جهابذة العلم قد تصدوا لكل معضلة وبينوا كل مشكلة ، ومما ورد فى ذلك ما يلى :
– قال النووى فى شرح مسلم 6 / 92 : " قوله صلى الله عليه وسلم : { من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال } وفى رواية : { من آخر الكهف } ، قيل : سبب ذلك ما فى أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال ، وكذا فى آخرها قوله تعالى : { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِى مِنْ دُونِى أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا } " .
– وقال المناوى فى الفيض 6 / 119 : " ورد فى رواية كلها ، وعليه يجتمع رواية من أول ومن آخر ، ويكون ذكر العشر استدراجًا لحفظ الكل " .
– وقال القرطبى : " اختلف المتأولون فى سبب ذلك – أى سبب تخصيص سورة الكهف – فقيل : لما فى فى قصة أصحاب الكهف من العجائب وآيات ... وقيل : لقوله تعالى : { لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ } تمسكًا بتخصيص البأس بالشدة واللدنية ... وقيل : ذلك من خصائص هذه السورة كلها ... وعلى هذا يجتمع رواية من روى أول سورة الكهف مع من روى من آخرها ، ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج فى حفظها كلها " .


جمع :


ويمكن الجمع بين ما سبق بحفظ سورة الكهف كلها ، فمن حفظها كلها أجزئ عن قراءتها ، وجمع الأول والآخر والفواتيح والخواتيم والعشر والثلاث ووقى أيضًا من فتنة الدجال .


6 – فإذا واجهه وجادله فليستعن بالله ، وليتذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر عنه وحذر منه ووصفه بالعيب فى عينيه وجسمه ، فهى معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم يراها الآن رأى العين ، ثم ليتفل فى وجهه ، فإذا ألقاه فى ناره ، فليغمض عينيه ، وليستعن بالله ، تكن عليه بردًا وسلامًا .
҉ فعن أبى أمامة رضى الله عنه فى ( حديثه السابق ) : { ... فمن ابتلى بناره ، فليستغث بالله ، وليقرأ فواتح الكهف ، فتكون عليه بردًا وسلامًا ، كما كانت النار على إبراهيم بردًا وسلامًا } [ أخرجه ابن ماجه فى سننه والحاكم فى المستدرك وصححه ] .
وللطبرانى فى معجمه الكبير ونعيم بن حماد فى الفتن بلفظ : { من لقيه منكم فليتفل فى وجهه } .
҉ وعن ثعلبة بن عباد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { فمن اعتصم بالله ، فقال : ربى الله ، حىٌّ لا يموت ، فلا عذاب عليه ، ومن قال أنت ربى فقد فتن } [ أخرجه البزار فى البحر الزخار ، وروى بعضه أحمد فى مسنده ، وقال الهيثمى : " ورجال أحمد رجال الصحيح " ] .
҉ وعن أبى قِلابة عن رجل من الصحابة رضى الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ... وإنه سيقول أنا ربكم ، فمن قال : لست بربنا ، ولكن ربنا الله ، عليه توكلنا ، وإليه أنبنا ، نعوذ بالله من شرك ، لم يكن له عليه سلطان } [ أخرجه أحمد فى مسنده ، وصححه الهيثمى ] .

؟ هل ما معه من جنة ونار حقيقة أو تخييل ؟

أ – ذهب بعض العلماء – ومنهم ابن حبان فى صحيحه – إلى أن ما معه من صورة الجنة والنار ، إنما هو تخييل وتمويه ، وليس حقيقة ، واحتجوا بما يلى :
1 – ҉ عن عمران بن حصين رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن ، فيتبعه مما – أو لما – يبعث به من شبهات } [ أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم ، وسكت عنه الذهبى ، وصححه عبد القادر فى تعليقه على الجامع 10/355 ] .
2 – ҉ حديث حذيفة بن اليمان رضى الله عنه ( السابق ) : { ... فأما الذى يرى الناس أنه نار ، فماء بارد ، وأما الذى يرى الناس أنه ماء فنار تحرق ، فمن أدرك ذلك منكم ، فلليقع فى الذى يرى أنه نار ، فإنه ماء عذب بارد } [ أخرجه الشيخان ] .
وفى رواية لمسلم : { أحدهما رأى العين ماء أبيض ، والآخر رأى العين نار تأجج } .
وعند أبى داود : { فالذى ترون أنه نار ماء ، والذى ترون أنه ماء نار ، فمن أدرك ذلك منكم ، فأراد الماء ، فليشرب من الذى يرى أنه نار ، فإنه سيجده ماء } .
3 – ҉ حديث أبى هريرة رضى الله عنه ( السابق ) : { ... وإنه يجئ وبمثال الجنة والنار ، فالتى يقول إنها جنة ، هى نار ... الحديث } [ أخرجه الشيخان ] .
فالباء زائدة ، والمعنى : يأتى بصورتيهما معه فى نظر الناس ، فيسير معه مثلاهما ، ويصحبه مشكلاهما .
4 – ҉ حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ( السابق ) : { ... ومعه صورة الجنة الخضراء ، يجرى فيها الماء ، وصورة النار سوداء تُدخّن } [ أخرجه أحمد ] .
وعند رزين : { ومعه مثل الجنة والنار } .
5 – ҉ عن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال : ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته ، وإنه قال لى : { ما يضرك منه ؟ } قلت : إنهم يقولون : إن معه جبل خبز ونهر ماء ، قال : { هو أهون على الله من ذلك } [ رواه الشيخان ] .
قال ابن حبان : " فمعناه أنه أهون على الله من أن يكون معه ماء يجرى حقيقة ، بل يرى ذلك ، فإن الذى معه يرى أنه ماء ، وليس بماء حقيقة ، أى أن ما ظهر من فتنته ليس له حقيقة ، وإنما تخييل منه وشعبذة كما يفعل السحرة " فتح البارى 13/93 ، ورجح هذا الرأى البرزنجى فى الإشاعة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث حذيفة رضى الله عنه : { فليغمض ثم ليطأطئ رأسه ، فليشرب منه ، فإنه ماء بارد } .

ب – وذهب آخرون – منهم ابن العربى – إلى حقيقة أنها حقيقة ، يخلقها الله سبحانه ، ويجريها على يديه ، ويقدره عليها ابتلاء للعباد ، ليست خيالات ولا تمويهات ، يلبس بها على الناس .
ورأوا :
– أن النصوص على ظاهرها ، امتحانًا من الله لعباده ، بدليل الأحاديث الأخرى التى ذكرت ذلك ولا تشير إلى أنها شبهات .
وحملوا :
– قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث المغيرة رضى الله عنه : { هو أهون على الله من ذلك } على أنه أهون على الله من أن يخاف منه ، أو يضلل به من يحبه ، أو يجعله آية على صدقه .
قال القاضى عياض : " معناه : أهون من أن يجعل الله ما على يديه مضللًا للمؤمنين " .
وقال ابن العربى : " وكيف يُرد بحديث محتمل ما ثبت فى غيره من الأحاديث الصحيحة ؟! " .


موازنة


قال الحافظ فى فتح البارى 13/93 : " وهذا كله يرجع إلى اختلاف المرئى بالنسبة إلى الآتى :
فإما أن يكون الدجال ساحرًا ، فيخيل الشئ بصورة عكسه ،
وإما أن يجعل الله باطن الجنة التى يسخرها للدجال نارًا ، وباطن النار جنة ، قال : " وهذا هو الراجح " ،
وإما أن يكون ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة ، وعن المحنة والنقمة بالنار ، فمن أطاعه فأنعم عليه بجنته ، يؤول أمره إلى دخول نار الآخرة ، وبالعكس .
ويحتمل أن يكون ذلك من جملة المحنة والفتنة ؛ فيرى الناظر إلى ذلك من دهشته النار فيظنها جنة ، وبالعكس " .

وقال النووى فى شرح مسلم 18/61 : " هذا من جملة فتنته ، امتحن الله به عباده ، ليحق الحق ، ويبطل الباطل ، ثم يفضحه " .

وقال ابن القيم :[/COLOR] " قوله صلى الله عليه وسلم : { سيجده ماء } أى فى الحقيقة أو بالقلب ، بحسب المآل " .
ويظهر – والله أعلم – أن الله سبحانه يقلب حقيقتها فى حق المؤمن والكافر ، فينعكسان عليهما فإنه فى زمن الدجال تنخرق العادات ، وتحدث أمور عظيمة .

وقال ابن كثير فى النهاية 1 / 84 : " والذى يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة فى زمانه ... وهذا كله ليس بمخرقة ، بل له حقيقة ، امتحن الله به عباده فى ذلك الزمان " .