تفسير الرؤى والأحلام
جدد إيمانك وقل ::
لا إله إلا الله
خالصًا من قلبك
وصلي على خاتم النبيين وإمام المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين
اللهم صلي على نبيك ورسولك محمد وسلم تسليمًا كثيرًا
تفسير الرؤى والأحلام
جدد إيمانك وقل ::
لا إله إلا الله
خالصًا من قلبك
وصلي على خاتم النبيين وإمام المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين
اللهم صلي على نبيك ورسولك محمد وسلم تسليمًا كثيرًا
تفسير الرؤى والأحلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير الرؤى والأحلام

فسر رؤياك طبقًا للمنهج الإسلامي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نبيٌ يحثو المال حثواً

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الأواب




عدد المساهمات : 84
نقاط : 42486
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 26/11/2012

نبيٌ يحثو المال حثواً Empty
مُساهمةموضوع: نبيٌ يحثو المال حثواً   نبيٌ يحثو المال حثواً Emptyالسبت مارس 01, 2014 2:26 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً ، بلّغ الرسالة وأدّى الامانة ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه ، صلواتُ اللهِ وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، وعلى صحابته وآل بيته الطيبين ، وعلى من إتبعهم إلى يوم الدين ، أمّا بَعدُ:

فأُوصِيكُم أيُّها النَّاسُ ونَفسي بِتَقوى الله  عزَّ وجلَّ  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].



أيُّها المُسلِمونَ:

الجودُ والكَرَمُ والسَّخاءُ صِفاتٌ ما سَمِعَتها أُذُن امرِئٍ قط، إلاَّ طارَ لها قَلبُهُ شَوقًا وفرحًا، شَوقًا لأنْ يَكونَ مِن أهْلِها، وفرَحًا بما يَعلمُهُ مِن حَميدِ آثارِها، وجَميلِ عَواقِبِها، عَرَفها العَرَبُ في الجاهليَّةِ فلزِموها، واشتَدَّتْ حاجَتُهُم إليها معَ شُحِّ بيئَتِهم فتَمسَّكوا بِها، بَل اضطَرَّهُم إلى الاتِّصافِ بها؛ فقرٌ لازَم أكثَرَهُم، فلم يَجِدوا عَنها مناصًا ولا مِنها بُدًّا، فلمَّا جاءَ الإسلامُ؛ دينُ الرَّحمةِ والشَّفقَةِ والإحسانِ، ومنهَج تَزكيَةِ النُّفوسِ وإصلاحِ القُلوبِ، أقَرَّ هَذِه الصِّفات، ومدَحَ أهلها، ووعَدَهُم بأضعاف ما يُنفِقونَ، وجَزاهُم أمثال ما يَتَكَلَّفونَ؛ قال  سُبحَانَهُ : ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، وقال جلَّ وعلا : ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134] ، وقال  سُبحانهُ : ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ: 39].



وإذا عُدَّ الأجوادُ الكُرَماءُ، وذُكِرَ المُنفِقون الأسخياء، فإنَّ ثَمَّة كَريمًا ما عَرَف التَّاريخُ مِثله في جاهليَّةٍ ولا إسلامٍ، وما دَبَّ على الأرضِ أندى مِنهُ كَفًّا ولا أسخى مِنهُ يَدًا، كَريمٌ لم يَدَّخِر شَيئًا لِغَدِه، ولم يَأتِه مِنَ الدُّنيا قَليلٌ ولا كَثيرٌ إِلاَّ أنفقَهُ، وما حَلَّ في يَدِه مالٌ إلاَّ فرَّقَهُ، لم يَكُنْ قَطُّ بَخيلاً ولا مُبخلاً، ولم يَقُل يَومًا لِسائِلٍ : لا؛ إنَّهُ أكرَمُ الكُرَماءِ، وإمامُ الأسخياءِ، نبينا مُحَمَّد بنُ عَبدالله صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم فلم يُرَ إلاَّ كَريمًا مُعطيًا، ولم يُلف إلاَّ جَوادًا مُنفِقًا؛ قَالَ أنَسٌ  رضِي الله عنْه : "كَانَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ وأجوَدَ النَّاسِ وَأَشجَعَ النَّاس".



وَفي الصَّحِيحَينِ عَن جَابِر رضِي الله عنْه قَالَ: "مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم شَيئًا قَطُّ فقَالَ : لا ".



وعَن أنَسٍ رضِي الله عنْه قالَ: "أُتيَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم بِمَالٍ مِنَ البَحرَينِ فَقَالَ : ((انثُرُوهُ في المَسجِدِ))، فكَانَ أَكثَرَ مَالٍ أُتيَ بِهِ رَسُول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم إِذْ جاءَهُ العَبَّاسُ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، أعطِنِي إنِّي فَادَيتُ نَفسِي، وفَادَيتُ عَقِيلاً، قَالَ: ((خُذْ))، فحَثَا في ثَوبِه ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فلَم يَستَطِعْ، فقَالَ: اؤمُرْ بَعضَهُم يرفعه إليَّ، قالَ: ((لا))، قالَ: فارفَعْهُ أَنتَ علَيَّ، قَالَ: ((لا))، فنَثَرَ مِنهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فلَم يَرفَعْهُ، فقَالَ: فمُرْ بَعضَهُم يَرفَعْهُ علَيَّ، قَالَ: ((لا))، قالَ: فَارفَعْهُ أنتَ علَيَّ، قَالَ: ((لا))، فنَثَرَ مِنهُ ثُمَّ احتَمَلَهُ على كَاهِلِه ثُمَّ انطَلَقَ، فمَا زَالَ يتبعه بصره حتى خَفِيَ علَينا عَجَبًا مِن حِرصِه، فمَا قَامَ رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم وثَمَّ مِنها دِرهَمٌ".



فيا للَّه، ما أكرَمهُ مِن نَبيٍّ! وما أجودَه! يُعطي المال حَثوًا ولا يَعُدُّه عَدًّا، وقَد كانَ هَذا ديدنه عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ معَ كُلِّ أحَدٍ حَتى معَ أعدائِه؛ ممَّا جَعَل كَثيرًا مِنهُم يُسلِمون طَمعًا في كَرمِه؛ فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أنَسٍ رضِي الله عنْه قَالَ: "مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم علَى الإسلامِ شَيئًا إلاَّ أعطَاهُ، فجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعطَاهُ غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ، فرَجَعَ إلى قَومِه فقَالَ: يا قَومِ، أَسلِمُوا فإنَّ مُحَمَّدًا يُعطِي عَطَاءَ مَن لا يَخشَى الفَاقَةَ"!



ومِن جودِه صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم وكَرَمِه ما رَواهُ جَابِرٌ قال: لَمَّا أتَى علَيَّ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم وقَد أعيَا بَعِيرِي قَالَ: فنَخَسَهُ فوثب، فكُنتُ بَعدَ ذَلِكَ أحبِسُ خِطَامَه لأسمَعَ حَدِيثَهُ فمَا أقدِرُ عَلَيهِ، فلَحِقَنِي النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم فَقَالَ: ((بِعْنِيِه))، فبِعتُهُ مِنهُ بِخَمس أوَاقٍ، قَالَ: قُلتُ: على أنَّ لي ظهرَهُ إلى المَدِينَة، قالَ: ((ولَكَ ظَهرُهُ إلى المَدِينَة))، قالَ: فلَمَّا قَدِمتُ المَدِينَةَ أتَيتُهُ بِه فزَادني أُوقِيَّةً ثُمَّ وَهَبَهُ لي"، وفي رِوايَةٍ قَالَ: ((يَا جَابِرُ، أتَوَفَّيتَ الثَّمَنَ؟)) قُلتُ: نَعَم، قَالَ: ((لَكَ الثَّمَنُ ولَكَ الجَمَلُ، لَكَ الثَّمَنُ ولَكَ الجَمَلُ)).



وليسَ هَذا فحَسبُ، بَل لقَد وصَل الكَرَمُ بِه صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم إلى أَن أعطَى ثَوبَهُ الَّذِي يستُرُهُ؛ ففِي البُخَارِيِّ وغَيرِه عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رضِي الله عنْه قَالَ: "جَاءَتِ امرَأَةٌ بِبُردَةٍ ... قَالَت: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي نَسَجتُ هَذِه بِيَدِي أكسُوكَها، فأخَذَهَا النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم مُحتَاجًا إِلَيهَا، فَخَرَجَ إلَينَا وإنَّهَا إِزَارُه، فقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: يا رَسُولَ اللهِ، اكسُنِيها، فَقَالَ: ((نَعَم))، فجَلَسَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - في المَجلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فطَوَاها، ثُمَّ أرسَلَ بها إلَيه، فقَالَ لَهُ القَومُ: ما أحسَنتَ، سَأَلتَها إيَّاهُ، لَقَد عَلِمتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً ..." الحديث.



هَكَذا كانَ كَرَمُه - عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ لا يُرُدُّ سائِلاً أبَدًا، وإذا كانَ المُتَّصِفونَ بِالكَرَمِ يُعطونَ القَليل مِنَ كَثيرٍ ممَّا لدَيهم، ثُمَّ يُبقونَ في خَزائِنِهم أضعاف ما يُعطونَ، فإنَّ نبينا الحَبيبَ عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ يُعطي كُلَّ ما عِندَه، ولم يَكُنْ يَدَّخِرُ المال ولا يَكنِزُهُ لِنَفسِه؛ عَن أنَسٍ رضِي الله عنْه قَالَ : "كانَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم لا يدَّخِرُ شَيئًا لِغدٍ"؛ رَوَاهُ التِّرمذيُّ وصَحَّحَهُ الألبَانيُّ.



بَل لقَد كانَ لا يَطمئِنُّ لهُ بالٌ وفي بَيتِه مالٌ حتى يُنفِقَهُ؛ ففي البُخَارِيِّ عَن عُقبَةَ بنِ الحَارث رضِي الله عنْه قال: "صلَّيتُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم العَصرَ، فلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا فدَخَلَ على بَعضِ نِسائِه ثُمَّ خَرَجَ، ورَأَى ما في وُجُوهِ القَومِ مِن تَعَجُّبِهِم لِسُرعَتِه، فقَالَ: ((ذَكَرتُ وأنَا في الصَّلاةِ تِبرًا عِندَنا، فَكَرِهتُ أن يُمسِيَ أو يَبِيتَ عِندَنا، فأمَرتُ بِقِسمَتِه)).



وعَن سَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ رضِي الله عنْه أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم كَانَ يَقُولُ: ((إنِّي لألِجُ هَذِهِ الغُرفَةَ ما ألِجُها إلاَّ خَشيَةَ أن يَكُونَ فِيها مَالٌ فَأُتَوَفَّى ولم أُنفِقْهُ))؛ رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وحَسَّنَهُ الألبَانيُّ.



وهكذا كان عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ يجُودُ ويَجُودُ، حتى يَتَمَنَّى لَو أنَّ لَهُ مِثلَ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا يُنفِقُهُ في سَبِيلِ اللهِ، فيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ((ما يَسُرُّنِي أنَّ عِندِي مِثلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا تَمضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وعِندِي مِنهُ دِينَارٌ إلاَّ شَيئًا أَرصُدُهُ لِدَينٍ، إلاَّ أَن أَقُولَ بِه في عِبَادِ اللهِ هكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا؛ عَن يَمِينِه وعَن شِمَالِه ومِن خَلفِه)).



وإذا كانَ جودُ بَعضِ النَّاسِ إنَّما هو لِمن أحسَنَ إليهم عَلى سَبيلِ المُكافأةِ، فقَد شَمِل عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ بِجودِه حَتى من أساءَ إليه؛ فعَن أنَسٍ رضِي الله عنْه قَالَ: "كُنتُ أمشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم وعَلَيهِ بُردٌ نَجرَانيٌّ غَلِيظ الحاشية، فأدرَكَهُ أعرَابيٌّ فجَبَذَه جَبذَةً شَدِيدَةً، ورَجَعَ نَبِيُّ اللهِ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم في نَحرِ الأعرَابيِّ حَتَّى نَظَرتُ إلى صَفحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم قَد أَثَّرَت بِه حَاشِيَةُ البُردِ مِن شِدَّةِ جَبذَتِه، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لي مِن مَالِ اللهِ الَّذِي عِندَكَ، فالتَفَتَ إلَيه رَسُولُ اللهِ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ"؛ مُتَّفَقٌ عليه.



وفي البُخَارِيِّ عَن جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ: أنَّهُ بَينَما هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم ومَعَهُ النَّاسُ مقفله مِن حُنَين، فعَلِقَهُ النَّاسُ يَسأَلُونَهُ حتَّى اضطَرُّوهُ إلى سَمُرَةٍ فخَطِفَت رِداءهُ، فوَقَفَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم فقَالَ: ((أعطُوني رِدائِي، لَو كَانَ لي عَدَدُ هَذِه العِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمتُهُ بَينَكُم، ثُمَّ لا تَجِدُوني بَخِيلاً وَلا كَذُوبًا وَلا جَبانًا)).



أيُّها المُسلِمونَ:

لقَد كانَ جودُه صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم  لِوجه الله وابتِغاءً لِمرضاتِه، إمّا لإطعامِ جائِعٍ، أو لإغناءِ فقيرٍ، أو لِسَدِّ حاجَةٍ، أو لِتَفريجِ كُربَةٍ، أو يَتَألَّفُ بِه قَلبًا عَلى الإسلام، وكانَ يُؤثِرُ عَلى نَفسِه وأهلِه وأولادِه، فيُعطي غَيرَهُ ويَعيشُ في نَفسِه عَيشَ الفُقَراءِ، فيَأتي عَليه الشَّهرُ والشَّهرانِ لا يوقَدُ في بَيتِه نارٌ، ورُبَّما رَبَطَ عَلى بَطنِه الحَجَرَ والحَجَرَينِ مِنَ الجوعِ، يُنفِقُ عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ بِجودٍ وسَخاءٍ، ويُؤثِرُ بِطَعامِه الضُّعَفاء والفُقَراء، أنفقَ في سَبيِلِ الله كَلَّ ما وقَعَ تَحتَ يَدِه، وقَدَّم الكُنوزَ خِدمةً للدين ونَفعًا لأُمَّتِه، ثُمَّ رَحَلَ عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ الدُّنيَا فَقِيرًا مُقِلاًّ؛ ففِي البُخَارِيِّ مِن حَدِيثِ عَمرو بن الحَارِثِ رضِي الله عنْه قَالَ: "ما تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم عِندَ مَوتِه دِرهَمًا ولا دِينارًا ولا عَبدًا ولا أمَةً ولا شَيئًا، إلاَّ بَغلَتَه البَيضَاءَ وسِلاحَهُ وأرضًا جَعَلَها صَدَقَةً".



ألا فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ وخُذوا مِن جودِ نَبيِّكُم وكَرَمِه المعنى الحَقيقيَّ لِلجودِ والكَرَمِ، واعلموا أنَّهُ ليسَ الكَرَمُ ما تَرونَهُ اليَوم وتُشاهدونَهُ في دُنيا النّاسِ، مِن ذَبحٍ لِلنَّعَم وتَبديدٍ لِلنِّعَمِ، وتَكَلُّفٍ في الولائِمِ وتَكاثُرٍ وتَفاخُرٍ، لا والله، إنَّما الكَرَمُ غِطاءٌ لِلعُيوبِ وتَفريجٌ لِلكُروبِ، الكَرَمُ سُرورٌ يُدخَلُ على قَلبٍ حَزين، وإغناء يَدٍ عَن ذُلِّ السُّؤالِ، الكَرَمُ إشباعُ جائِعٍ وكسوة عار وإغاثَةُ ملهوفٍ، الكَرَمُ إعفافُ أرملةٍ وكفالةُ يَتيمٍ، وإنظارُ مُعسِرٍ وإمهالُ مدين.



آثَرت أُمٌّ ابنَتَيها بِشِقَّي تَمرَةٍ وبَقِيَت جائِعَةً، فأوجَبَ اللهُ لَهَا الجَنَّةَ، وأعتَقَها مِن النَّارِ، وجادَ امرُؤٌ بِناقَةٍ مَخطُومَةٍ في سَبِيلِ اللهِ، فوَعَدَه النَّبِيُّ - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم - بِسبعمائة ناقة مخطُومة يوم القيامة، ودَخَلَ رَجُلٌ الجَنَّةَ لِجُودِهِ بجرعَةِ ماءٍ على كَلبٍ، وغَفَرَ اللهُ لِمُومِسةٍ لِجُودِها بِسُقيَا كَلبٍ كَادَ يَقتُلُهُ العَطَشُ، ورَأى النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ لِغُصنِ شَوكٍ نَحَّاهُ عَن طَرِيقِ المُسلِمِينَ، وتَجَاوَزَ اللهُ عَن رَجُلٍ لم يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيرِ شَيءٌ إلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَتَجَاوَزُ عَنِ المُعسِرِينَ، والسَّاعِي عَلَى الأرمَلَةِ والمِسكِينِ كالمُجَاهِدِ في سَبِيِلِ اللهِ، فاللهَ اللهَ بالإِخلاصِ، وحَذَارِ حَذَارِ مِنَ الرِّيَاءِ؛ قَالَ عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( إِنَّكَ لَن تُنفِقَ نَفَقَةً تَبتَغِي بها وَجهَ اللهِ إلاَّ أُجِرتَ عَلَيها )، وَالجَزَاءُ مِن جِنسِ العَمَل، قَالَ عليْه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( مَا مِن يَومٍ يُصبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلاَّ مَلَكَانِ يَنزِلانِ يَقُولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعطِ مُنفِقًا خَلَفًا، ويَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعطِ مُمسِكًا تَلَفًا ) ، وإنَّ من يُنفِقُ الآلاف في الولائِمِ والمُفاخَرات، ثُمَّ يَدَّعي الفقرَ والقِلَّةَ إذا دُعيَ لِلبَذلِ لِما يُحييه في آخِرَتِه ويُنجيه، إنَّهُ لسَفيهٌ جاهلٌ، أو ضالٌّ مفتونٌ، ومن عَلِم عِلم يَقينٍ أنَّهُ ( لَن تَزُولَ قَدَما عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حتَّى يُسأَلَ عَن مَالِه؛ مِن أينَ اكتَسَبَهُ؟ وفيمَ أنفَقَهُ؟ )  عَلِمَ حَينَئِذٍ أنَّ المال الَّذي يُنفِقُهُ في المُحَرَّماتِ أو يُبَدِّدُهُ في المُفاخَراتِ، إنَّما هو مالٌ خبيثٌ، سَيَجلِبُ لهُ العارَ ثُمَّ يَسوقُهُ إلى النّارِ، وأنَّ المال الَّذي يُحيي بِه العلم ويُميتُ الجَهل ويُطعِمُ الجائِعَ ويَخلُفُ الغازيَ، يُتَوِّجُهُ في الدُّنيا بِتاجِ الفخارِ، ويُنزِلُهُ بِرَحمةِ الله منازِل الأبرار.



أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 261 - 265].




الخطبة الثانية

أمَّا بَعدُ:

فاتَّقوا اللهَ - تعالى - وأطيعوهُ ولا تَعصوهُ.



أيُّها المُسلِمونَ:

إنَّ في الأُمَّةِ مِنَ الفُقَراءِ والغُرَباءِ واليَتامى، وفي المُجتَمعِ مِنَ المُعاقينَ والأرامِلِ والأيامى، من قَد مسَّهُمُ الضُّرُّ، وزاغَت مِنهُم الأبصارُ، وبَلغَتِ القُلوبُ الحَناجِرَ، فقَدوا العائِل والكافِل، وعَجَزوا عَنِ العَملِ ولزِموا المنازِل، فهَلُم عِبادَ اللهِ هَلُم، فلنُطفِئْ عَنِ اليَتيم حَرارَةَ اليُتمِ، ولنُبَرِّدْ عَنِ الأيِّمِ مضَضَ الثُّكلِ، ولنُنسِ ذا الإعاقَةِ أنَّهُ عالةٌ، ولنُخَفِّفْ عَنِ الغَريبِ أَلَم غُربَتِه، فهَل تُنصَرونَ وتُرزَقونَ إلاَّ بِضُعَفائِكُم؟ تَعاملوا معَ أهلِ الخَيرِ والبِرِّ والإحسانِ، وادعَموا جَمعيَّاتِ البِرِّ ومكاتِبَ الدَّعوةِ وحَلقاتِ التَّحفيظِ، واقطَعوا تَعامُلكُم معَ أهلِ الفخرِ والتَّباهي وتَبديدِ النِّعَمِ، فوالله ما عوقِبَتِ الأُمَّةُ بِغَلاءِ الأسعارِ وقِلَّةِ الأمطارِ وغَورِ الآبارِ، إلاَّ بِكُفرانِ النِّعَمِ ونِسيانِ المُنعِمِ - سُبحانَهُ - ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 112 - 114].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كاديلاك




عدد المساهمات : 17
نقاط : 38132
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 05/12/2013

نبيٌ يحثو المال حثواً Empty
مُساهمةموضوع: رد: نبيٌ يحثو المال حثواً   نبيٌ يحثو المال حثواً Emptyالسبت مارس 01, 2014 7:37 pm

اللهم ان واليدايا في ذمتك وحبل جوارك فقهم عذاب القبر وعذاب النار وأدخلهم جنتك مع الأبرار يا الله يا عزيز يا غفار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأواب




عدد المساهمات : 84
نقاط : 42486
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 26/11/2012

نبيٌ يحثو المال حثواً Empty
مُساهمةموضوع: رد: نبيٌ يحثو المال حثواً   نبيٌ يحثو المال حثواً Emptyالسبت مارس 01, 2014 8:25 pm

اللهم آمين ،،،،، ووالدينا وجميع المسلمين
بارك الله في أخي الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نبيٌ يحثو المال حثواً
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تضاعف المال

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تفسير الرؤى والأحلام :: في رحاب القرآن والسُنة الشريفة-
انتقل الى: